كتب روني ساسميتا أن خطة غزة التي أعلنها دونالد ترامب وقَبِلها بنيامين نتنياهو على مضض وُصفت بالجرأة والجدل والاستعراض، وهي كذلك بالفعل، لكنها أيضاً قد تمثل الآلية الوحيدة المتاحة – مهما كانت ناقصة – لوقف نزيف صراع استهلك آلاف الأرواح ودمّر بنية غزة التحتية. ولهذا السبب وحده تستحق الخطة بعض الاعتبار، حتى وإن حملت عيوباً وطموحات شخصية واضحة.
أوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن أبرز ملامح الخطة تشمل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الإفراج عن جميع الرهائن خلال 72 ساعة، تبادل أسرى واسع، والأهم نزع سلاح غزة بالكامل. وتنص الخطة على تشكيل "مجلس سلام" يرأسه ترامب شخصياً لإدارة المساعدات الإنسانية والإعمار والحكم المحلي، مع تهميش حماس وتقليص دور السلطة الفلسطينية إلى موقع رمزي. وتُسند إلى قطر مهمة إقناع حماس بالقبول مقابل وعود بتمويل دولي وخدمات عامة ومليارات لإعادة الإعمار.
يرى منتقدون أن الخطة أقرب إلى مسرح سياسي من كونها اتفاق سلام. فترامب يسعى لتخليد اسمه كصانع "سلام غزة"، بينما قبِل نتنياهو تحت ضغط أمريكي وإقليمي وفي ظل ضعف وضعه الداخلي. حتى اعتذاره لقطر، وهو تنازل غير مألوف بعد سنوات من اتهامها، يعكس حجم الضغوط.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن الخطة قد تفتح نافذة إغاثة لسكان غزة. فالعائلات التي أنهكتها الحروب والغارات تحتاج أكثر من شعارات: تحتاج غذاء ودواء وكهرباء ومياهاً صالحة للشرب. إذا وفّرت الخطة ذلك، تصبح جديرة بالاهتمام بصرف النظر عن دوافع ترامب أو حسابات نتنياهو.
تقوم الخطة على مطلب نزع سلاح حماس، وهو ما يضرب في صميم هوية الحركة. توقع تخلي مقاتليها عن السلاح أو مغادرة غزة يبدو أقرب إلى أمنية منه إلى واقع عملي. صحيح أن نفوذ قطر كبير، لكنه ليس مطلقاً. حركات المقاومة نادراً ما تتفكك بإشارة خارجية، والاحتمال كبير أن تظل شبكات سرية وأسلحة مخبأة أو تظهر جماعات جديدة حتى لو ضعُف البناء التنظيمي الرسمي.
يقترح ترامب إنشاء "مجلس سلام" دولي يشرف على إدارة غزة، لكن الخطر أن يتحول إلى بيروقراطية مفروضة بلا مشاركة فلسطينية حقيقية. السلطة الفلسطينية، التي يشكك فيها كثير من الفلسطينيين أصلاً، ستبقى بوزن رمزي. هذه الترتيبات لا تعالج جوهر المشكلة المتمثل في غياب السيادة الفلسطينية. أقصى ما تفعله هو إدارة الأزمة وتأجيل الأسئلة الكبرى حول الحقوق السياسية والعدالة والاستقلال.
رغم الشكوك، لا يمكن إنكار أن غزة تعيش انهياراً شاملاً: مستشفيات بالكاد تعمل، أطفال يعانون من سوء تغذية، خدمات أساسية منهارة. إذا فتحت الخطة أبواب المساعدات ومشاريع الإعمار، فإنها قد تمنح السكان فسحة للتنفس. هدنة، حتى لو جاءت بدوافع سياسية، تتيح للعائلات إعادة بناء بيوتها وفتح المدارس والسماح للأطفال بالنشوء بعيداً عن الخوف المستمر.
نجاح الخطة يحتاج رقابة دولية صارمة تضمن وصول المساعدات وعدم تحول مليارات الدولارات إلى ضحية فساد أو سوء إدارة. المطلوب شفافية ومحاسبة للطرفين، إسرائيل وحماس أو أي قوة بديلة، حتى لا تضيع هذه الفرصة النادرة. كما ينبغي للدول العربية، خصوصاً قطر ومصر والأردن، أن تتحرك كضامنة لا مجرد مراقبة. فالولايات المتحدة ستنسب الفضل لنفسها، لكن الاستقرار اليومي في غزة يعتمد على الدور الإقليمي المباشر.
الخطة لا تعيد إحياء حل الدولتين، بل قد تشكّل دفنه الهادئ، إذ تختزل الطموحات الفلسطينية في حكم ذاتي محدود بينما تُرسّخ سيطرة إسرائيل. لذلك، يبقى شك المراقبين مبرراً. لكن تجارب السلام غالباً ما تولد في ظروف غير مثالية، مليئة بالتناقضات والقصور. السؤال الجوهري: هل تستطيع رغم ذلك أن تخفف المعاناة عن الناس؟
قد لا تحل الخطة الصراع نهائياً، لكنها قد تجمّده بما يكفي لتدفق المساعدات وتقليص المعاناة. هذا إنجاز متواضع على مستوى التاريخ، لكنه ذو قيمة كبرى لعائلات فقدت بيوتها وأحباءها ومصادر رزقها.
صحيح أن الخطة وُلدت من طموح ترامب وخضوع نتنياهو للضغط، وصحيح أنها هشة وناقصة وقد لا تدوم، لكنها تظل فرصة لقطع دائرة العنف التي سيطرت على غزة لسنوات طويلة. العالم مطالب بالتعامل معها بحذر ويقظة، لكن أيضاً باعتراف بأنها قد تحمل قيمة عملية. فالسلام ليس نقياً أبداً، وأحياناً حتى سلام ولد من طموح سياسي قد يمنح بعض الراحة – وهذا وحده يستحق النظر.
https://www.middleeastmonitor.com/20250930-the-fragile-peace-of-trumps-gaza-plan/